محطة جليفيتش الإذاعية الموقع الذي أشعل الحرب العالمية الثانية
محطة جليفيتش الإذاعية الموقع الذي أشعل الحرب العالمية الثانية
في مساء يوم 31 أغسطس 1939 ، وعلى بعد أميال قليلة من الحدود مع بولندا
، مرت سيارتان عبر بوابات محطة راديو جليفيتش الألمانية ، وتوقفت خارج مبنى
الإرسال المكون من ثلاثة طوابق ، وخرجت وحدة صغيرة من قوات الأمن الخاصة
من السيارة متنكرين في هيئة متعصبين بولنديين ، وكان معهم فرانسيسك
هونيوك ، وهو كاثوليكي ألماني غير متزوج يبلغ من العمر 43 عاما ، كان قد
اعتقل في اليوم السابق لتورطه في عدد من الثورات ضد الحكم الألماني في
سيليسيا ، وهي منطقة على حدود بولندا .
كان هونيوك يرتدي بدله مسروقة ليبدو كأحد أفراد الجيش البولندي ، وكان
الجستابو قد اختار التضحية به من أجل شن هجوم يبدو وكأنه عمل مخربين
بولنديين مناهضين لألمانيا ، ولم يقاوم هونيوك لأنه كان مخدر ولا يدري بما يحدث
.
عملية هيملر
منذ أن وصل أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا ، أراد غزو بولندا وتقسيمها ، لكن
منعته معاهدة عدم الاعتداء الألمانية البولندية التي وقعت عام 1934 ، بالإضافة
إلى معاهدة فرساي ، من حشد قواته ضد الدولة التي يهيمن عليها اليهود ، وما
كان الفوهرر يحتاج إليه هو عمل عدواني واحد من الجانب البولندي لتبرير الغزو
الألماني لبولندا ، ولكن ذلك لم يحدث ، لذا قرر هتلر أن يصطنع حادثًا ، وهكذا
بدأت عملية هيملر .
كان الهدف من عملية هيملر ، التي دبرها هاينريش هيملر وأشرف عليها راينهارد هيدريش ، هو القيام بالعديد من العمليات السرية الزائفة في مواقع متعددة على طول الحدود لخلق بعض مظاهر العنف البولندي ضد ألمانيا ، وفي الأيام التي سبقت غزو بولندا ، كانت القوات الألمانية ، التي كانت ترتدي زيًا بولنديًا ، تتوغل في مواقع ألمانية مختلفة على طول الحدود وتقوم بأعمال تخريب ، ثم تتراجع مخلفة وراءها جثث في الزي الرسمي البولندي ، وقد تم شراء الجثث من معسكرات الاعتقال التي يديرها النازيون .
الهجوم المدبر على محطة جليفيتش
وكان أحد المواقع التي تم اختيارها ، ويمكن القول إنها أهم هدف لعملية هيملر ، كانت محطة الإذاعة الألمانية في جليفيتش ، فقبل حوالي ثلاثة أسابيع من الهجوم ، استدعى راينهارد هيدريش ألفريد نوجوكس – أحد قادة القوات الخاصة – إلى برلين ، لوضع تفاصيل الهجوم المتعمد .
كان هايدريتش يبحث عن شئ كبير وواضح ، فنظر إلى خريطة جدارية لأوروبا الشرقية ووضع إصبعه على جليفيتش ، وكانت الفكرة تقتضي هجوم مجموعة رجال على محطة جليفيتش الإذاعية ، والقيام بتخدير العاملين بها ثم إذاعة خطابًا باللغة البولندية والألمانية ، يهاجم ألمانيا والفوهرر ويعلن عزم بولندا على أخذ المناطق المتنازع عليها بالقوة .
في اليوم المحدد – 31 أغسطس – قبل يوم واحد من وصول الدبابات الألمانية عبر الحدود إلى الأراضي البولندية ، وهو ما يمثل بداية لصراع عالمي طويل مؤلم ، قاد ألفرد ناوجوكس مجموعة من سبعة جنود من قوات الأمن الخاصة إلى محطة الإذاعة ، وتمكن من التغلب على الحراس بسرعة وأخبر المهندسين الثلاثة المناوبين بنقل رسالة معادية لألمانيا ، وأمسك أحد رجال قوات الأمن الخاصة ، كارل هورناك ، الذي تحدث بالبولندية ، بالميكروفون وصرخ قائلاً : (انتباه ! هنا جليفيتش ، محطة البث أصبحت في أيدي بولندية ) ، وكانت تلك الكلمات كافية لإطلاق سلسلة من الأحداث الكارثية .
ثم بدأت الحرب
في صباح اليوم التالي ، اتهم هتلر بولندا بالتحريض على العنف ، مشيراً إلى واحد وعشرين عملاً من أعمال العدوان على الألمان ، والتي تم تنظيمها كلها من قبل قوات الأمن الخاصة ، وقرر أن يتحدث إلى بولندا بنفس اللغة التي استخدمتها .
قبل أن يغادر رجال قوات الأمن الخاصة محطة الإذاعة في الليلة السابقة ، أطلقوا النار على فرانسيزيك هونوك وتركوا جثته ، ولم يتحدث أحد عن هذا الرجل لعقود ، ولم يكن هناك أي ذكرى في بولندا لتكريم وفاته ، وترددت عائلته في التحدث عن الموضوع أو طرح أي أسئلة ، وكانت بولندا تحت الاحتلال الألماني حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ولم يكن أحد مهتمًا باكتشاف الحقيقة ، واتهم باول هونيوك ، ابن أخته بقتله ، ولم يعرف أين دفنت الجثة .
اكتشاف حقيقة حادثة جليفيتش
ظهرت تفاصيل حادثة جليفيتش لأول مرة خلال محاكمات نورمبرج بعد الحرب ، ولكن لم يتم الكشف عن الحقائق الكاملة إلا بعد قيام الكاتب البريطاني كومر كلارك بتعقب ألفريد نوجوكس في هامبورغ ، وتوفي نوجوكس بعد ذلك بعامين ولم يواجه محكمة جرائم حرب .
أما برج راديو جليفيتش – أطول مبنى خشبي في أوروبا (على ارتفاع 387 قدمًا) – مازال قائمًا ، على الرغم من توقف المحطة منذ فترة طويلة ، وويضم المبنى الآن متحفًا مخصصًا لهذا الحادث ، ويحمل البرج الخشبي الهائل حاليًا هوائيات لخدمات الهاتف المحمول وبث محطات FM ، وينتمي الموقع ذاته في الوقت الراهن إلى بولندا .